الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: كـانـت تـونـس تـعـاني مـن اللّصـــوص فأصبحت تعاني من اللّصوص والخونة!

نشر في  26 أوت 2015  (11:54)

أصبحت اليوم بلادنا على ذمّة من يموّل ومن يحضن الأحزاب السياسيّة.. ودون تواضع مغشوش، فقد كنت من ضمن إعلاميين قلائل أكّدوا انّ الانتخابات التونسيّة وانطلاقا من 2011 باتت حرّة لكنها غير نزيهة لأنّ المال السياسي تدخل وغير ارادة الشعب، ورغم صحّته لم ينتشر الموقف لأنّ عددا منّا «ذليل» ولا يريد الإصداع بالحقيقة! واليوم وبعد ان نشرت دائرة المحاسبات تقريرها الذي ذكرت فيه أنّ أحد المترشّحين انتفع بـ4.6 مليار من مليماتنا من بلد أجنبي وقد يكون ذلك عبر جمعيّات خيريّة، اتّضح أنّنا والى غاية الآن، مازالت انتخاباتنا غير نزيهة!
وتجدر الإشارة الى انه وبمناسبة الانتخابات التشريعيّةبعد التغيير تكوّنت ميليشيات ومجموعات تتردّد على المنازل والمقاهي في المدن والقرى والأرياف لاقناع المواطنين والمواطنات بالترسيم على القوائم الانتخابيّة والتصويت لفائدة أحزابها مع مكافأة تتمثّل في «علوش العيد» أو مقابل مالي او تشغيل أو «رخصة» أو مساعدة لاقتناء تاكسي جماعي.. وقد تدفّقت الأموال عبر الحدود الليبية والمطارات والمواني وحتى عبر الحقيبة الديبلوماسية من دولتين خليجيتين، هذا دون ذكر الأموال الطائلة التي انتفعت بها «جمعيّات خيرية» مشبوهة و خائنة ودرتها على كل من يخدم التطرّف أو الأحزاب الدّينية!

قبل تغير النظام كانت تونس تعاني من السراق في مجال الاقتصاد فباتت اليوم تعاني من اللصوص والخونة! فهناك عدد من التونسيين (بالاسم فقط) يُشترون بعشرات الدنانير، وهناك آخرون بعشرات من الملايين وثمّة آخرون بعشرات المليارات لكن بما أنّ الشجرة لا تحجب الغابة، فرغم الخيانات توجد نساء ورجال غيورون علىمستقبل تونس ومستعدّون للتصدّي لأيّ مشروع لإقامة نظام ديني أو متشدّد في البلاد! هذه حقائق يجب التذكير بها.
 اليوم ليس بوسع أيّ حزب الفوز في انتخابات إذا لم يكن يمتلك المال الكافي لشراء الأصوات وإذا لم تكن له شبكات (ريزو) رغم انّ عددا من النواب ـ  وهم قلائل ـ نجحوا في التشريعيّة بفضل شعبيّتهم في الجهات التي ينتمون إليها..  وفي هذا السياق أذكّر بأنّي كنت الإعلامي والسياسي الوحيد في تونس الذي طلب موعد مقابلة مع الرئيس السابق بن علي بعد انتخابات 92 لأعلمه بأنّ النتائج كانت مزوّرة وقد صارحته بذلك بما أنّي كنت في مكتب اقتراع بحمام الأنف! فغضب عليّ لمدّة فاقت 15 سنة كاملة!
لقد لعبت الأموال الأجنبيّة وحتى المحلية والجهوية دورا مؤثّرا في نتائج كلّ الانتخابات التي تلت 2011 كما لعبت الإدارة وبعض ولاة الترويكا ومعتمديها دورا لا يقل أهمية في توجيه النّاخبين و«شراء» أصواتهم! فكفانا تزييفا للتاريخ وكذبا على العباد فنسبة من النّاخبين باعوا ذممهم بالهدايا والامتيازات وحتى الوعود رغم انّ أغلب النّاخبات صوّتن عموما بما أملته عليهنّ ضمائرهنّ! وفي المقابل فانّ الأحزاب المستقلة التي ليس لها أموال لم تتمكّن من الفوز ما عدا أقلية نادرة لها اشعاع في الولايات! انّ الاقناع من خلال الحوار والطروحات في التلفزات والإذاعات والصّحف غير كاف للفوز في الانتخابات.

ولأنّي ممّن يرغبون في أن تكون ديمقراطيتنا  غير مشوّهة ولا مزيّفة، أرجو من دائرة المحاسبات نشر أسماء كل المترشّحين الذين انتفعوا بأموال من الخارج وكذلك قائمة في المصاريف التي أنفقتها الجعيات التخريبيّة ـ عفوا الخيرية ـ قبل أشهر من الانتخابات، فقد وزّعت أموالا انتخابيّة متستّرة بالأعمال الخيرية، كل هذا دون ذكر كبار المهرّبين والفاسدين الذين قدّموا أموالا طائلة حماية لمصالحهم ونهبهم لاقتصاد البلاد!
وفضلا عن الأموال القذرة في حسم نتائج الانتخابات، فقدت تونس جزءا هامّا من سيادتها بعد أن بات مصير البلاد خاضعا لبعض الحكومات الأجنبيّة وحتى مؤسسة مالية عالمية.. فالقرار الوطني الذي عرفناه مع بورقيبة ـ رحمه الله ـ (وأذكّر بأنّي كنت السينمائي الذي أخرج شريطا كان عنوانه «الملك» «Le roi» انتقدت فيه أخطاء بورقيبة السياسية واحتكاره للسلطة) كان مبعثا على الاعتزاز بتونس،  وأمّا اليوم، فهناك عدّة مؤشّرات تثبت أنّ حكومة واشنطن تتدخّل في أهمّ القرارات في تونس، فهي التي أسّست للتحالف بين النهضة ونداء تونس ويكفي ان نتذكر هنا «كبار» السياسيين التونسيين وهم يتراكضون لتناول طعام العشاء بمقرّ سفارة الولايات المتحدة بتونس.. من جهة أخرى، هناك حزبان «يتمتّعان» بـ«النّصائح» القطرية، والثابت أنّكم تتذكّرون كيف كان المرزوقي ـ على سبيل المثال ـ أسرع من بطل العالم في الـ100 متر لمقابلة «الشيخة موزة» وكيف لم يجرؤ على الردّ على إهانة أمير قطر الذي قال له في المطار وأمام جمع من الصحافيين انّه جاء ليعلمه كيف يصافح وكيف يمشي،  والمضحك المبكي أنّ «المؤقّت» لم يحرّك ساكنا!!
هناك أيضا تركيا والجماعات الاسلامية التي تخطّط لإركاع هذا الشعب وتنفيذ برنامجها الديني تاركة هامشا من الحرية للموالين لها في قراراتهم.. ومن ذا الذي لايعرف انّ تركيا سمحت لآلاف من شباب تونس بالالتحاق بالحركات الارهابيّة في سوريا انطلاقا من أراضيها كما نتذكر الزيارة الرسمية لأوردوغان لتونس والتي وعد خلالها باستثمارات تركية في تونس تقدّر 40.000 مليار من مليماتنا!
هناك ايضا أحزاب متذيلة لبعض البلدان الغربية وخاصة فرنسا فهي حريصة على الإصغاء «لتحاليلها» و«لنصائحها».

وفي هذه «الموازييك» (فسيفساء) نجد مجموعات تساند «فجر ليبيا» وتحاول الدّفاع عن مصالح هذا التنظيم المتشدّد وطبعا مقابل أموال ضخمة، وفي طابور المنحاز للخارج يصطفّ «حزب» البنك العالمي الذي يحاول تنفيذ البرنامج الاقتصادي والمالي لهذه المؤسّسة والذي يتعارض مع مصالح الشعب.
كلّ هذا بصرف النظر عن الجواسيس وضباط المخابرات لبعض الدول، الذين يتحرّكون في بلادنا بكلّ حرية من شمالها الي جنوبها والبعض منهم مسؤولون عن «العمليات»، ولو كانت الدنيا دنيا لأشعرتهم الحكومة بأنّهم أشخاص غير مرغوب فيهم.. مسكينة تونس! فـ«المرشدون» الدينيون الأجانب وحتى المولودون في تونس «يهدون» الى عقيدة متشدّدة غريبة عن اسلام جامع الزيتونة وما دامت حكومة «القناوية» (النداء) و«الحنة» (النهضة) مستمرّة في عدم اكتراثها بهذه المشاكل والسّكوت عن الخيانات، فانّ تونس في خطر.. أملي الوحيد في نساء هذا البلد العظيم وفي  أقلية من الديمقراطيين الحقيقيين وفي جنودها وأمنييها وحرسها...